استفتاء فرنسا حول الميزانية- تحديات اقتصادية وإصلاحات مثيرة للجدل
المؤلف: «عكاظ» (باريس)10.29.2025

في خطوة تاريخية وغير مسبوقة تشهدها الجمهورية الفرنسية، أعلن رئيس الوزراء فرانسوا بيرو عن الدعوة لإجراء استفتاء شعبي شامل حول الإصلاحات المقترحة في الميزانية العامة للدولة وخطة خفض الدين العام المتراكم، وذلك في ظل ما تواجهه البلاد من صعوبات وتحديات اقتصادية جمة ومعقدة تتطلب حلولًا جريئة.
وفي هذا السياق، أوضح حسين قنيبر، مدير مكتب قناة «العربية» في فرنسا، أن حجم الدين العام الفرنسي قد بلغ مستويات قياسية تقارب 3000 مليار يورو، في حين يتجاوز الدين الخاص حاجز الـ 4000 مليار يورو. وأضاف أن العجز الحالي في الميزانية يُقدر بنحو 170 مليار يورو، أي ما يعادل حوالي 5.8% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وتسعى الحكومة الفرنسية جاهدة إلى تقليص هذا العجز إلى 130 مليار يورو، أو ما نسبته 5.4% خلال العام الجاري، وهو ما يستلزم إجراءات تقشفية حادة وتقليصًا في الإنفاق العام بنحو 40 مليار يورو.
وأشار قنيبر في حواره مع قناة «العربية Business» إلى أن هذه الإجراءات الحكومية الطارئة قد أثارت مخاوف وقلقًا واسعًا لدى المواطنين الفرنسيين، لا سيما فيما يتعلق باحتمالية المساس بالحقوق والمكتسبات الاجتماعية التي طالما تمتعوا بها، مثل نظام التغطية الصحية الشاملة ونظام التقاعد، الذي سبق أن خضع لتعديلات جذرية أدت إلى رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا. وفي المقابل، تؤكد الحكومة رفضها القاطع لفرض أي ضرائب جديدة على المواطنين أو الشركات.
وأفاد بأن الدعوة إلى إجراء الاستفتاء الشعبي جاءت في أعقاب فقدان حزب الرئيس إيمانويل ماكرون للأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير القوانين بسهولة ويسر، مما يزيد من تعقيد العملية التشريعية. وفي ظل غياب أي تحالفات سياسية ممكنة، ترى الحكومة أن الاستفتاء هو المسار الديمقراطي الأمثل لتجاوز هذه العقبات التشريعية، وتفضله على استخدام المادة 49-3 من الدستور الفرنسي، التي تتيح للحكومة تمرير القوانين دون الحاجة إلى تصويت برلماني.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بيرو، قد صرح في وقت سابق بأنه يدرس اقتراحًا جديًا بإجراء استفتاء شعبي على ميزانية الدولة، وذلك نتيجة للمخاوف المتزايدة من أن تؤدي خطط خفض التكاليف والإنفاق العام إلى اندلاع احتجاجات ومظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف بيرو خلال مقابلة صحفية مع صحيفة «جورنال دو ديمانش» نُشرت يوم السبت الماضي: «أعتقد أن هذا الموضوع بالغ الأهمية والخطورة، وله تداعيات وعواقب وخيمة على مستقبل بلادنا، لذلك أرى أنه من الضروري طرحه مباشرة على مواطنينا، ولهذا السبب لا أستبعد أي خيار مطروح».
وذكر بيرو أن «الأمر متروك للحكومة لكي تقترح الحلول المناسبة، وللرئيس لكي يتخذ القرار النهائي، ونحن أمام مسألة ذات أهمية قصوى، وهي مسألة لا تقتصر على التكنوقراط والخبراء المتخصصين فحسب، بل يجب على كل مواطن فرنسي أن يدرسها ويتفهم أبعادها».
